أعمال شهر ذو الحجة

يُعد شهر ذو الحجة من أعظم الأشهر الهجرية في الإسلام، وهو الشهر الثاني عشر والأخير في التقويم الهجري. يتميز هذا الشهر بمكانة عظيمة وفضل كبير، حيث تجتمع فيه طاعات متعددة وعبادات متنوعة لا تجتمع في غيره من الشهور. يضم هذا الشهر العديد من الأيام الفضيلة التي عظَّمها الله تعالى ورفع من شأنها، وعلى رأسها الأيام العشر الأُوَل التي تُعتبر من أفضل أيام الدنيا على الإطلاق. ولأن العمل في هذا الشهر له شأن عظيم وأجر جزيل، يجدر بالمسلم أن يتعرف على أعمال هذا الشهر حتى يغتنم هذه الفرصة العظيمة.

فضل شهر ذو الحجة

شهر ذو الحجة هو شهر الطاعة والقرب من الله، وقد أقسم الله تعالى بأيامه العشر فقال: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1-2]، وهذا يدل على عظيم منزلتها. كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بيَّن أن العمل الصالح في هذه الأيام أحب إلى الله من الجهاد في سبيله إلا أن يُقتل المجاهد في سبيل الله بنفسه وماله.

ومن خصائص هذا الشهر أنه يشهد أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، كما يشهد يوم عرفة الذي يُعد أعظم أيام الدنيا، ويوم النحر الذي هو أعظم أيام العيد. جميع هذه الفضائل تجعل من ذو الحجة موسماً فريداً للطاعات والقربات.

الأعمال المستحبة في شهر ذو الحجة

1. الإكثار من العمل الصالح

الأعمال الصالحة في الأيام العشر الأولى من ذو الحجة لها مكانة عظيمة عند الله، وتشمل الصلاة، الصيام، الصدقة، قراءة القرآن، بر الوالدين، صلة الأرحام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الناس. المسلم مدعو إلى استثمار هذه الأيام بكثرة الطاعات، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” [رواه البخاري].

2. صيام الأيام التسعة الأولى

يستحب صيام الأيام التسعة الأولى من شهر ذو الحجة وخاصة يوم عرفة. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذه الأيام، ويكفي في فضل صيام يوم عرفة أن النبي قال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” [رواه مسلم]. الصيام في هذه الأيام يرفع الدرجات ويكفر السيئات ويقرب العبد إلى الله تعالى.

3. الإكثار من الذكر والتكبير

من الأعمال العظيمة في هذه الأيام كثرة ذكر الله بالتكبير والتحميد والتهليل. فقد قال الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]. وكان الصحابة رضي الله عنهم يخرجون إلى الأسواق فيكبرون ويجهرون بالتكبير تعظيماً لهذه الأيام.

وصيغ التكبير المشهورة:

• الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

• الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

وينقسم التكبير إلى قسمين:

• التكبير المطلق: يبدأ من أول أيام ذو الحجة حتى غروب شمس ثالث أيام التشريق، ويكون في جميع الأوقات.

• التكبير المقيد: يبدأ من بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق ويكون عقب الصلوات المفروضة.

4. أداء الحج والعمرة

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ومن وفقه الله لأداء مناسك الحج فقد نال خيرًا عظيمًا. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل الحج بقوله: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” [رواه البخاري ومسلم].

الحج في شهر ذو الحجة يتضمن أعظم الشعائر الإسلامية، منها الوقوف بعرفة، المبيت بمزدلفة، رمي الجمرات، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة.

كما يُستحب أداء العمرة في هذا الشهر، لما لها من فضل في تكفير الذنوب ورفع الدرجات.

5. صيام يوم عرفة

يُعد صيام يوم عرفة من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى في هذا الشهر المبارك، وقد خصَّه النبي صلى الله عليه وسلم بفضل عظيم حيث قال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” [رواه مسلم]. وهذا اليوم هو التاسع من شهر ذو الحجة.

فضل هذا اليوم لا يقتصر على الحجاج فحسب، بل يشمل جميع المسلمين في أنحاء العالم، ويُستحب فيه أيضًا الإكثار من الدعاء والذكر.

6. الأضحية

من السنن المؤكدة في هذا الشهر ذبح الأضحية ابتغاء وجه الله تعالى، وهي سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة العيد يوم النحر ويمتد حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق.

الأضحية تُمثل شعيرة عظيمة تُحيي سنة إبراهيم عليه السلام، وهي وسيلة للتقرب إلى الله تعالى. يُشترط في الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم) وأن تكون سليمة من العيوب.

7. صلاة العيد

يُشرع للمسلمين أداء صلاة العيد في صباح يوم النحر، وهو يوم عيد الأضحى المبارك. هذه الصلاة لها فضل عظيم وتُعتبر من مظاهر إحياء شعائر الله. يُستحب أن تسبقها تكبيرات العيد التي تبدأ من فجر يوم عرفة وتستمر حتى عصر آخر أيام التشريق.

صلاة العيد تُظهر وحدة المسلمين وتماسكهم، كما أن خطبة العيد تذكّر المسلمين بفضائل العيد وأهمية التقوى والتكافل الاجتماعي.

8. ذبح الهدي للمتمتع والقارن

الحاج المتمتع والقارن يُطلب منه أن يقدم هديًا، وهو ذبيحة تقربًا إلى الله تعالى. ويُذبح الهدي في منى أو مكة في أيام النحر والتشريق. يُوزع لحم الهدي على الفقراء والمساكين، وهي شعيرة من شعائر الحج العظيمة.

9. كثرة الدعاء والابتهال

شهر ذو الحجة فرصة عظيمة للإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، خاصة في يوم عرفة الذي يُعد من أعظم أيام استجابة الدعاء. يُستحب الإلحاح في الدعاء وطلب المغفرة والرحمة والقبول من الله عز وجل.

10. الاستغفار والتوبة

من الأعمال العظيمة في هذا الشهر الإكثار من الاستغفار والتوبة النصوح، فإن الله تعالى يفتح أبواب رحمته في هذه الأيام العظيمة، ومن تاب في هذه الأيام تاب الله عليه. يجب على المسلم أن يخلص نيته ويعزم على عدم العودة للمعاصي، وأن يكثر من قول: “أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه”.

11. قراءة القرآن الكريم

من الأعمال الجليلة التي يُستحب الإكثار منها في شهر ذو الحجة تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع. قراءة القرآن في هذه الأيام ترفع الدرجات وتكفر السيئات، ويُستحب تخصيص وقت يومي لختم القرآن خلال هذا الشهر.

12. صلة الأرحام

صلة الرحم من العبادات الاجتماعية التي حث عليها الإسلام بشدة، ويُستحب في شهر ذو الحجة أن يحرص المسلم على زيارة أقاربه، وبر والديه، وتقديم الهدايا للفقراء والمحتاجين من أفراد العائلة.

13. الصدقة والإحسان

من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله في شهر ذو الحجة الإنفاق في سبيل الله، سواء بتقديم الصدقات للمساكين أو المساهمة في المشاريع الخيرية أو كفالة الأيتام. الله تعالى وعد المتصدقين بالبركة في الأموال ورفع الدرجات ومضاعفة الأجر.

14. الاعتكاف وقيام الليل

رغم أن الاعتكاف سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، إلا أن قيام الليل في الأيام العشر من ذو الحجة له أجر عظيم. يُستحب أن يخصص المسلم جزءًا من الليل لقيام الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء والذكر.

15. المحافظة على السنن الرواتب

في هذه الأيام المباركة، ينبغي الحرص على أداء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة لما لها من فضل في تكفير الذنوب وجبر الخلل في الصلاة.

جدول الأعمال المستحبة في شهر ذو الحجة

خلاصة الأعمال

شهر ذو الحجة هو موسم إيماني عظيم، تتنوع فيه العبادات بين الصيام، الصلاة، الذكر، الدعاء، الصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء الحج والعمرة. استثمار هذه الأيام المباركة هو فرصة لكل مسلم يسعى إلى رفع درجته ومغفرة ذنوبه والتقرب من الله تعالى. العبد المؤمن يُدرك أن الحياة فرص، وشهر ذو الحجة من أعظم هذه الفرص التي يجب اغتنامها بجد واجتهاد.

المراجع

• صحيح البخاري، كتاب العيدين.

• صحيح مسلم، كتاب الصيام.